فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

{حتى إِذا بلغ بين السدين}.
قال وهب بن منبه: هما جبلان منيفان في السماء، من ورائهما البحر، ومن أمامهما البلدان، وهما بمنقطَع أرض التُّرك مما يلي بلاد أرمينية.
وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس قال: الجبلان من قِبَل أرمينية وأذربيجان.
واختلف القراء في {السدّين} فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم بفتح السين.
وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي بضمها.
وهل المعنى واحد، أم لا؟ فيه قولان.
أحدها: أنه واحد.
قال ابن الأعرابي: كل ما قابلك فسَدَّ ما وراءه، فهو سَدٌّ، وسُدٌّ، نحو: الضَّعف والضُّعف، والفَقر والفُقر.
قال الكسائي، وثعلب: السَّد والسُّد لغتان بمعنى واحد، وهذا مذهب الزجاج.
والثاني: أنهما يختلفان.
وفي الفرق بينهما قولان.
أحدهما: أن ما هو من فعل الله تعالى فهو مضموم، وما هو من فعل الآدميين فهو مفتوح، قاله ابن عباس، وعكرمة، وأبو عبيدة.
قال الفراء: وعلى هذا رأيت المشيخة وأهل العلم من النحويين.
والثاني: أن السَّد، بفتح السين: الحاجز بين الشيئين، والسُدُّ، بضمها: الغشاوة في العَيْن، قاله أبو عمرو بن العلاء.
قوله تعالى: {وَجَد من دونهما} يعني: أمام السدين {قومًا لا يكادون يفقهون قولًا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: {يَفْقَهُون قولًا} بفتح الياء، أي: لا يكادون يفهمونه.
قال ابن الأنباري: قال اللغويون: معناه أنهم يفهمون بعد إِبطاءٍ، وهو كقوله: {وما كادوا يفعلون} [البقرة: 71].
قال المفسرون: وإِنما كانوا كذلك لأنهم لا يعرفون غير لغتهم.
وقرأ حمزة، والكسائي: {يُفْقِهُون} بضم الياء، أراد: يُفْهِمُون غيرهم.
وقيل: كلَّم ذا القرنين عنهم مترجِمون ترجموا.
قوله تعالى: {إِن يأجوج ومأجوج} هما: اسمان أعجميان، وقد همزهما عاصم.
قال الليث: الهمز لغة رديئة.
قال ابن عباس: يأجوج رجل، ومأجوج رجل، وهما ابنا يافث بن نوح عليه السلام، فيأجوج ومأجوج عشرة أجزاء، وولد آدم كلُّهم جزء، وهم شِبْر وشِبْران وثلاثة أشبار.
وقال عليّ عليه السلام: منهم مَنْ طوله شِبْر، ومنهم من هو مُفْرِط في الطُّول، ولهم من الشَّعر ما يواريهم من الحَرِّ والبَرْد.
وقال الضحاك: هم جيل من التُّرك.
وقال السدي: التُرك سريّة من يأجوج ومأجوج خرجت تُغِير، فجاء ذو القرنين فضرب السَّد، فبقيت خارجه.
وروى شقيق عن حذيفة، قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج، فقال: يأجوج أُمَّة، ومأجوج أُمَّة، كل أُمَّة أربعمائة ألف أُمَّة، لا يموت الرجُل منهم حتى ينظر إِلى ألف ذَكَر بين يديه من صُلْبه كُلٌّ قد حمل السلاح؛ قلت: يا رسول الله، صِفْهُم لنا، قال: هم ثلاثة أصناف، صنف منهم أمثال الأرز. قلت: يا رسول الله: وما الأرز؟ قال: شجر بالشام، طول الشجرة عشرون ومائة ذراع في السماء؛ وصنف منهم عرضه وطوله سواء، عشرون ومائة ذراع، وهؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد، وصنف منهم يفترش أحدهم أذنه، ويلتحف بالأخرى ولا يمرُّون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إِلا أكلوه، ومن مات منهم أكلوه، مقدِّمتهم بالشام، وساقّهم بخراسان، يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية».
قوله تعالى: {مُفْسِدون في الأرض} في هذا الفساد أربعة أقوال.
أحدها: أنهم كانوا يفعلون فِعْل قوم لوط، قاله وهب بن منبِّه.
والثاني: أنهم كانوا يأكلون الناس، قاله سعيد بن عبد العزيز.
والثالث: يُخرِجون إِلى الأرض الذين شَكَوْا منهم أيام الربيع، فلا يَدَعون شيئًا أخضر إِلا أكلوه، ولا يابسًا إِلا احتملوه إِلى أرضهم، قاله ابن السائب.
والرابع: كانوا يقتلون الناس، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {فهل نَجْعَلُ لكَ خَرْجًا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم: {خَرجًا} بغير ألف. وقرأ حمزة، والكسائي: {خراجًا} بألف.
وهل بينهما فرق؟ فيه قولان.
أحدهما: أنهما لغتان بمعنى واحد، قاله أبو عبيدة، والليث.
والثاني: أن الخَرْجَ: ما تبرعت به، والخراج: ما لزمك أداؤه، قاله أبو عمرو بن العلاء.
قال المفسرون: المعنى: هل نُخرج إِليك من أموالنا شيئًا كالجُعل لك؟
قوله تعالى: {ما مكَّنّي} وقرأ ابن كثير: {مكَّنَني} بنونين، وكذلك هي في مصاحف مكة.
قال الزجاج: من قرأ: {مكَّنِّي} بالتشديد، أدغم النون في النون لاجتماع النونين.
ومن قرأ: {مكَّنني} أظهر النونين، لأنهما من كلمتين، الأولى من الفعل، والثانية تدخل مع الاسم المضمر.
وفي الذي أراد بتمكينه منه قولان.
أحدهما: أنه العِلْم بالله؛ وطلب ثوابه.
والثاني: ما ملك من الدنيا.
والمعنى: الذي أعطاني الله خير مما تبذلون لي.
قوله تعالى: {فأعينوني بِقُوَّة} فيها قولان.
أحدهما: أنها الرجال، قاله مجاهد، ومقاتل.
والثاني: الآلة، قاله ابن السائب.
فأما الرَّدْم، فهو: الحاجز؛ قال الزجاج: والرَّدْم في اللغة أكبر من السدِّ، لأن الرَّدْم: ما جُعل بعضه على بعض، يقال: ثوب مُرَدَّم: إِذا كان قد رقِّع رقعة فوق رقعة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حتى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ}.
وهما جبلان من قبل أرمينية وأَذْرَبِيجان.
روى عطاء الخراساني عن ابن عباس: {بين السدين} الجبلين أرمينية وأَذْرَبِيجان.
{وَجَدَ مِن دُونِهِمَا} أي من ورائهما: {قَوْمًا لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا}.
وقرأ حمزة والكسائي {يُفْقِهُونَ} بضم الياء وكسر القاف من أفقه إذا أبان أي لا يفقهون غيرهم كلامًا.
الباقون بفتح الياء والقاف، أي يعلمون.
والقراءتان صحيحتان، فلا هم يفقهون من غيرهم ولا يفقِهون غيرهم.
قوله تعالى: {قَالُواْ ياذا القرنين} أي قالت له أمة من الإنس صالحة: {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرض}.
قال الأخفش: من همز {يأجوج} فجعل الألفين من الأصل يقول: يأجوج يَفْعول ومأجوج مَفْعول كأنه من أجيج النار.
قال: ومن لا يهمز ويجعل الألفين زائدتين يقول: {ياجوج} من يَجَجت وماجوج من مَجَجت وهما غير مصروفين؛ قال رؤبة:
لو أن ياجوجَ وماجوجَ مَعَا ** وَعادَ عادٌ واستجاشوا تُبَّعَا

ذكره الجوهري.
وقيل: إنما لم ينصرفا لأنهما اسمان أعجميان، مثل طالوت وجالوت غير مشتقين؛ علتاهما في منع الصرف العجمة والتعريف والتأنيث.
وقالت فرقة: هو معرب من أَجَّ وأَجَّجَ علتاه في منع الصرف التعريف والتأنيث.
وقال أبو عليّ: يجوز أن يكونا عربيين؛ فمن همز {يأجوج} فهو على وزن يفعول مثل يربوع، من قولك أَجَّت النارُ أي ضويت، ومنه الأجيج، ومنه ملح أجاج، ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفًا مثل راس، وأما {مأجوج} فهو مفعول من أَجَّ، والكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق ومن لم يهمز فيجوز أن يكون خفف الهمزة، ويجوز أن يكون فاعولًا من مَجَّ، وترك الصرف فيهما للتأنيث والتعريف كأنه اسم للقبيلة.
واختلف في إفسادهم؛ فقال سعيد بن عبد العزيز: إفسادهم أكل بني آدم.
وقالت فرقة: إفسادهم إنما كان متوقعًا، أي سيفسدون، فطلبوا وجه التحرز منهم.
وقالت فرقة: إفسادهم هو الظلم والغَشْم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر، والله أعلم.
وقد وردت أخبار بصفتهم وخروجهم وأنهم من ولد يافث.
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ولد لنوح سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان» وقال كعب الأحبار: احتلم آدم عليه السلام فاختلط ماؤه بالتراب فأسِف فخلقوا من ذلك الماء، فهم متصلون بنا من جهة الأب لا من جهة الأم.
وهذا فيه نظر؛ لأن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لا يحتلمون، وإنما هم من ولد يافث، وكذلك قال مقاتل وغيره.
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يموت رجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل» يعني يأجوج ومأجوج.